رحلة سلام الترجمان لسد ياجوج ومأجوج وتفاصيلها المثيرة
نظرة سريعة على محتويات المقال:
تعتبر رحلة سلام الترجمان لسد ياجوج ومأجوج من بين أكثر الرحلات التي يلفها الغموض والتشويق والتي تطرقت إليها العديد من المصادر التاريخية والمؤرخين سواء العرب المسلمين أو حتى الأوروبيين.
لقد وصفت تلك الرحلة نكونها واحدة من بين أغرب الرحلات في التاريخ، ولقد بدأت رحلة سلام الترجمان قبل نحو 12 قرنا من الآن وبالضبط في زمن الدولة العباسية في عهد الخليفة العباسي هارون الواثق بالله.
لقد تولى هارون لخلافة بعد وفاة أبيه المعتصم سنة 227 هـ، وكانت خلافته خمس سنوات وعرفت فترة خلافته بالعديد من الثورات العنيفة والدموية، لكنه قضى على جميع تلك الثورات قامت في عهده، ولقَّن الخارجين على الدين والآداب العامة درسًا لا ينسى، وعزل من انحرف من الولاة، وصادر أموالهم التي استولوا عليها ظلمًا وعدوانًا.
ومن هذه الثورات ثورات في الشام وفلسطين بسبب الاحتكاكات بين السكان العرب والجيوش التركية التي شكلها والده المعتصم، وتم إخماد هذه الثورات.
رحلة سلام الترجمان لسد ياجوج ومأجوج :
تبدأ فصول رحلة سلام الترجمان لسد ياجوج ومأجوج في مدينة سامراء في العراق والتي كانت العاصمة المؤقتة للدولة العباسية في ذلك الوقت.
في أحد الليالي، شاهد الخليفة العباسي هارون الواثق بالله حلما أو كابوسا مزعجا، جعله يستيقظ في منتصف الليل من شدة الذعر والخوف.
لقد شاهد الخليفة في حلمه سد يأجوج ومأجوج وهو ينهار ويتلاشى ليخرج منه يأجوج ومأجوج ويعيثو في الأرض فسادا. فقام الخليفة العباسي بإستشارة أحد المقربين له وهو قائد جيشه التركي أبو جعفر أشناس.
كانت الدولة العباسية في تلك الحقبة الزمنية تعرف العديد من الثورات الداخلية في فلسطين والشام مما أرق بال الخليفة العباسي، كما أنه تشاؤم من ذلك الكابوس المزعج الذي فسره على أنه رؤيا من الممكن أن تهدد عرشه.
قرر الخليفة العباسي وبمشورة من قائده التركي أشناس أن يرسلو بعثة إستكشافية للتأكد من أن سد يأجوج ومأجوج لازال حصنا منيعا. وضع الأثنان خريطة ومسارا للرحلة المفترضة والتي كانت ستمر من العديد من البلدان : كالقوقاز وروسيا وجورجيا وأرمينيا وغيرها من الدول.
رحلة سلام الترجمان :
بعد الإتفاق على مسار الرحلة والتي كانت ستمر على العديد من الدول، أدرك الخليفة العباسي أنه بحاجة إلى مترجم يتكلم العديد من اللغات للتواصل مع أهالي الدول التي سيمرون منها، ولتفادي قطاع الطرق وفي نفس الوقت تسليم رسائل خطية من الخليفة العباسي لحكام تلك الدول، لكي يستقبلو بعثه كما يجب.
إقترح القائد العسكري أشناس على الخليفة إسم سلام الترجمان الذي كان يتحدث بأكثر من 30 لغة ولهجة والذي كان موظفا في ديوان الدولة العباسية في قسم الترجمة.
قام الخليفة العباسي هارون الواثق بمقابلة سلام الترجمان وعينه رئيسا على البعثة وأرسل معه 50 رجلا من الأشداء والأقوياء. يقال أن الخليفة أعطى لسلام الترجمان مبلغ 15.000 دينار كمقابل لتلك الرحلة، كما قام قام بدفع راتب سنة كاملة لكل أعضاء وأفراد تلك البعثة.
كان الخليفة يتوقع أن تلك الرحلة من المتوقع أن تدوم لسنة أو أكثر، فقام بتجهيز كل ما يخص الرحلة من مؤونة ومتاع ودواب وأحصنة لتنطلق البعثة في طريقها.
خريطة سلام الترجمان :
إنطلقت رحلة سلام الترجمان لسد ياجوج ومأجوج، مرورا من دولة أرمينيا والتي كان ملكها ٱنذاك إسحاق بن إسماعيل، الذي إستقبلهم أحسن إستقبال، ثم مرو بعد ذلك بدولة الخزر والذي قام بمساعدة سلام الترجمان وقام بإعطائه 5 دلائل أو ما يسمى بدليل الطريق.
تابعت البعثة طريقها فمروا من بحر قزوين، ثم مروا من منطقة مليئة بالمدن كلها دمار وخراب تفوح منها روائح كريهة، لقد قطعو 20 يوما من المسير في تلك المنطقة.
تعجب سلام الترجمان من كل تلك المدن التي هي عبارة عن خراب ودمار وقفار، قسأل أحد الدلائل اليهود الذين رافقوه من دولة الخزر عن السبب، فأجابه أن قوم يأجوج ومأجوج مروا من هاته المناطق فعاثوا فيها فسادا ودمروها.
وصلت بعثة سلام الترجمان لمدينة أيكة والتي كانت أخر محطة قبل الوصول لسد يأجوج ومأجوج وكانت تبعد عنه لمسيرة 3 أيام فقط.
سد يأجوج ومأجوج :
بعد 3 أيام من المسير من مدينة أيكة وصلة بعثة سلام الترجمان لسد يأجوج ومأجوج، كان سد يأجوج ومأجوج عبارة عن سد يقع بين جبلين وكان هنالك ممر أو فج في الجبل يوصل إلى سد يأجوج ومأجوج.
كان طول السدد 55 مترا وعرضه من جبل إلى الجبل الثاني نحو 120 مترا وكان السد محفورا بعمق 20 مترا تحت الأرض ليصب فوقها النحاس والحديد حتى مستوى الأرض.
ليصف فوقها العديد من الطوب الحجرية والإسمنية مذوبة في الحديد لتشكل ذك الردم أو السد العظيم، وصف سلام الترجمان حديد مغيب في النحاس.
كان على رأس سد يأجوج أو مأجوج ثلاثة من حفظة السد أو حراس السد، كانوا من الرجال الأقوياء يحمل كلم منهم مطرقة عملاقة يضربون بها على السد 3 مرات في اليوم، في الصبح والمساء والليل.
كان أولائك الحراس يضربون بمطرقهم على السد، ليشاهدوا ردة فعل قوم مأجوج ومأجوج ويتأكدوا من أنهم لايزالون وراء ذلك السد المنيع.
نهاية الرحلة والعودة إلى الديار :
بعد نهاية رحلة سلام الترجمان لسد ياجوج ومأجوج وتأكده من أن يأجوج مأجوج لازالو محبوسين وراء السد، ولت البعثة متجهة نحو الديار، لتزف تلك الأخبار للخليفة العباسي وليطمئن قلبه.
سلكت البعثة طريقا مختلفا في الرجوع عن طريق الذهاب، مرت البعثة عن طريق بخارى وخراسان وقطعوا ما يسمى بدولة أوزبكستان حاليا.
بعد وصول سلام الترجمان إلى قصر الخليفة قام بإخبار الخليفة العباسي بتفاصيل الرحلة، كما قام بوصف تفاصيل الرحلة الكاملة لأحد أشهر الرحالة والمؤرخيين والجغرافيين آنذاك وهو عبد الله ابن خرداذبة.
دامت رحلة سلام الترجمان في الذهاب 16 شهرا، بينما أخذ منهم طريق الرجوع مدة سنة فقط، يعني أن الرحلة دامت عموما لمدة سنتين و 4 أشهر، ومات في الذهاب 22 رجلا، بينما مات في طريق الرجوع 14 رجلا، أي أنه من 50 رجلا، رجع فقط 14 رجلا من رحلة سلام الترجمان.
قام المؤرخ الجغرافي الشهير ابن خرداذبة بتدوين تفاصيل رحلة سلام الترجمان لسد ياجوج ومأجوج في كتابه المسالك والممالك.