قصة هيساشي أوشي : الرجل الذي تعرض لأكبر شحنة إشعاعية في التاريخ

تعتبر قصة هيساشي أوشي من بين أكثر القصص المأساوية في تاريخ بلاد الساموراي، حينها تعرض المواطن الياباني هيساشي أوشي لأكبر شحنة إشعاعية في التاريخ، حيث عانى بعد تلك الحادثة من جحيم لا يطاق، مزق جسده ببطىء، لدرجة أنه توسل للأطباء أن يقتلوه لكي يرتاح.

كان ما يسمى بحادث توكيمورا النووي في اليابان رابع أخطر حدث نووي في العالم. ظل أوشي على قيد الحياة لمدة 83 يومًا في المستشفى، لكن كل يوم كان يمر عليه، تحول إلى كابوس حقيقي، لدرجة أنه توسل الأطباء لإنهاء حياته.

إقرأ أيضا : كارثة بوبال بالهند : قصة أكبر كارثة صناعية في التاريخ

قصة هيساشي أوشي

في 30 سبتمبر 1999 في توكيمورا باليابان، بدأت قصة هيساشي أوشي أو مأساته التي حولت حياته لجحيم لا يطاق. حدثت تلك الحادثة في الساعة 10:30 صباحًا وأثرت على حياة ثلاثة عمال في مصنع للوقود النووي التابع لشركة JCO (شركة تحويل الوقود النووي اليابانية).

كان حادث توكيمورا النووي رابع أخطر حدث نووي في التاريخ، بعد جزيرة ثري مايل (الولايات المتحدة الأمريكية)، وكارثة تشيرنوبيل النووية (أوكرانيا الحالية، الاتحاد السوفيتي السابق) ومن كارثة فوكوشيما، أيضًا في اليابان.

لقد كان الوضع خطيرا لدرجة أنه وللسيطرة على كل شيء وتقييم الأضرار، قامت السلطات بإجلاء أكثر من 300 ألف شخص من أقرب المناطق المحيطة بمكان الحادث.

إقرأ أيضا : تجربة توسكيجي لعلاج الزهري : تجربة لاأخلاقية تقشعر لها الأبدان

اليوم الذي تغير فيه كل شيء

الساعة 10.35 صباحًا في 30 سبتمبر 1999، كان هيساشي أوشي، العامل في محطة توكيمورا النووية في محافظة إيباراكي باليابان، مع زميله في العمل ماساتو شينوهارا،يقومان بصب محلول من أكسيد اليورانيوم المخصب على خزان كبير من حمض النيتريك في خزان ترسيب، بهدف إنتاج وقود لمفاعل نووي.

لكن حدث خطأ ما في العملية، وبدأ توهج أزرق يخرج من الخزان، دون أن يتخيل أنه سيكون بداية النهاية. كان الوميض هو تفاعل الانشطار النووي للمكونات الكيميائية المذكورة، مما أدى إلى إطلاق كميات كبيرة من أشعة غاما والنيوترونات التي كانت ضارة للغاية بصحة الإنسان.

كقاعدة عامة في ذلك النوع من المصانع، تتطلب تدابير الوقاية من المخاطر المهنية عدم استخدام الحاويات التي يمكن أن تحتوي على مقياس أكبر من 2.3 كيلوغرام من المواد المشعة، لكن هيساشي وصديقه استخدموا الدلاء لتطبيق 16 كجم من اليورانيوم، وذلك بسبب ضغط الشغل المتراكم، بسبب طلبية متأخرة، متجاهلين بذلك قواعد وتدابير الوقاية.

كانت الكمية مفرطة وكبيرة، لدرجة أن التفاعل المتسلسل للانشطار النووي أصبح مستدامًا ذاتيًا، مما أدى إلى إصدار الكثير من إشعاع غاما والنيوترون.

تلقى Hisashi Ouchi، الذي كان على برميل كبير الذي كان يقف بجوار الخزان، إشعاعًا في جميع أنحاء جسده أعلى بآلاف المرات من متوسط ​​الكمية السنوية التي يمكن للإنسان تحمله، فيما عانى زميله Masato Shinohara الذي كان متواجدا بجوار المنصة أيضا من تبعات الحادث.

الموظف الثالث يوكوكاوا، والذي كان هادئًا في مكتبه على بعد أربعة أمتار من المنطقة، لم يسلم هو الآخر من تلك الحادثة.

تنتمي محطة الوقود النووي إلى الشركة اليابانية لتحويل الوقود النووي (JCO) ووفقًا للتقارير، لم يتم تدريب كلا الموظفين على خلط اليورانيوم وحمض النيتريك. بالإضافة إلى ذلك، عند القيام بعملهم يدويًا، لم يكن لديهم فكرة عن كيفية حساب الكمية المناسبة من العنصر الكيميائي الخطير الذي يتعين عليهم تطبيقه.

إقرأ أيضا : حادثة فيضان العسل الاسود : حين دمرت موجة من دبس السكر مدينة بوسطن

ضحايا الجحيم النووي

على الرغم من أن المشغلين تمكنوا من التدخل والقيام برد فعل بعد 20 ساعة، إلا أنه قد فات الأوان بالفعل. كان الإشعاع الذي تعرض له العمال الثلاثة قاتلاً.

تم الوصول إلى مستويات تصل إلى 15000 ضعف الحد المسموح به للبقاء على قيد الحياة، وكانت الكمية زائدة وأصبح التفاعل المتسلسل للانشطار النووي مكتفيًا ذاتيًا مما نتج عنه إشعاع غاما وإشعاع نيوتروني كبير جدا.

تشير التقديرات إلى أن أوشي كان الشخص الذي تعرض لأكبر قدر من الإشعاع في التاريخ : ما بين 10000 و 20000 ملي سيفرت. ماذا يعني ميليسيفرت؟ هي وحدة قياس التأثيرات والأضرار التي تسببها الإشعاعات المؤينة في الكائن الحي. الحد الأقصى الآمن لمستويات النشاط الإشعاعي هو 50 ملي سيفرت.

بهذه الطريقة، أصبح Ouchi الإنسان الذي عانى من أكبر شحنة إشعاعية في التاريخ، والتي أبادته ببطء في أقل من ثلاثة أشهر. وبالمثل، تلقى شريكه ماساتو شينوهارا، على الرغم من أنه كان بعيدًا قليلاً عن المستودع الكيميائي، جرعة عالية من الإشعاع.

بالنسبة لهذا الحادث، الذي تم السيطرة عليه بعد 20 ساعة، تأثر حوالي 150 شخصًا بالانتشار، ولكن بمستويات أقل بكثير من هيساشي أوشي وزميله، مما سلط الضوء على قصة هيساشي أوشي والتي أصبحت قضية رأي عام في اليابان.

إقرأ أيضا : كارثة دواء الثاليدوميد : أكبر كارثة طبية في التاريخ الحديث

هيساشي بعد الحادث

بعد الانشطار النووي، فقد أوشي وعيه وتم نقله إلى مستشفى جامعة طوكيو. عند وصوله كان يعاني من عدة حروق بليغة وعندما استعاد وعيه، تحدث إلى الأطباء عما حدث، لكن شيئًا فشيئًا بدأت آثار الإشعاع تظهر بشكل جلي في جسده.

في الواقع، عندما وصل أوشي إلى المستشفى، كان جلده أحمر اللون ومتورمًا. ومع ذلك، يبدو أنه لم تظهر عليه أية أعراض أخرى. لكن الأطباء حللوا كروموسوماته ووجدوا أنه غير قادر على تجديد أي من خلايا جسده.

كما لاحظوا أيضًا إنخفاض عدد خلايا الدم البيضاء إلى 0. تلقى أوشي نفس جرعة الإشعاع التي انبعثت من مركز قنبلة هيروشيما الذرية.

بعد أسبوع في المستشفى وعلى الرغم من تلقيه عملية زرع خلايا محيطية من أخته لمحاولة استعادة كفائة جهاز المناعة لديه، بدأ أوشي في إظهار علامات مرض الإشعاع. بدأت حالته في التدهور وكان جسده يتفكك حرفيا.

آثارت قصة هيساشي أوشي حيرة الأطباء الذين لم يشاهدوا شيئا مماثلا من قبل، لقد حاولوا إنقاذ أوشي بكل الوسائل المتاحة، لكن الوضع كان يزداد سوئا يوما بعد يوم.

بعد 27 يومًا، بدأت أجزاء أخرى من جسد أوشي في التدهور أيضًا. على سبيل المثال،عانت أمعائه من نزيف حاد. لقد احتاج إلى ما يصل إلى 10 عمليات نقل دم في اليوم، وفقد أيضًا سوائل أخرى في الجسم (تصل إلى 10 لترات يوميًا) من خلال الجلد غير الموجود. لتجنب ذلك، اضطر الأطباء إلى لفه بشاش. لكنه نزف أيضًا من عينيه.

علقت زوجته عندما ذهبت لرؤيته “كان يبكي بالدم”.

إقرأ أيضا : حادثة منجم تشيلي : احتجاز 33 عاملا تحت الأرض ل 69 يوما

الموت هو السبيل الوحيد للخلاص

في محاولة يائسة، حاول الأطباء تثبيت جلد صناعي، لكن العضلات بدأت أيضًا في التقشر بعيدًا عن العظام. في مرحلة ما، ناشد أوشي الأطباء التوقف عن لمسه. تمكن من القول: “لا أستطيع تحمل الألم بعد الآن”.

شعر أوشي وكأنه يتعرض للتعذيب في كل مرة يريد الأطباء مساعدته، بل إنه توسل إلى تركه بمفرده. همس الرجل الغارق في الألم الشديد، وفقًا لكتاب عن هذه الحالة بعنوان Deteriorated Life: Record of 83 Days of Radiation Treatment الذي نشرته القناة اليابانية نيبون هوسو كيوكاي (NHK).

أمام توسلاته ولتخفيف آلامه، اتخذ الأطباء قرارًا بوضعه في غيبوبة مستحثة. مع جسده المكسور تقريبًا، في اليوم التاسع والخمسين من دخوله المستشفى، عانى أوشي من ثلاث سكتات قلبية في ساعة واحدة، لكنه بقي على قيد الحياة لفترة أطول.

بعد 59 يومًا في المستشفى، توقف قلبه 3 مرات في غضون 49 دقيقة. الأمر الذي أدى إلى إتلاف دماغه وكليتيه. لقد تم إبقاؤه على قيد الحياة بشكل مصطنع بواسطة آلات خارجية.

بعد 83 يومًا في المستشفى، وفي ال 21 كانون الأول (ديسمبر) 1999 توفي أوشي بسبب فشل عضوي متعدد في 21 ديسمبر وبذلك أنهى معاناته الطويلة، وأصبح أيضًا أول رجل يموت في تاريخ الصناعة النووية اليابانية.

كان شريكه شينوهارا قادرًا على العيش لمدة أربعة أشهر أخرى، لكنه توفي أيضًا بسبب فشل عضوي متعدد.

بسبب الإهمال الذي رافق قصة هيساشي أوشي من جانب كبار المسؤولين في محطة توكيمورا النووية، في أبريل 2001، تلقى كينزو كوشيجيما، رئيس مصنع JCO، ورئيس المصنع، Tomoyuki Inami، وخمسة مسؤولين آخرين في الشركة عقوبات بين اثنين وثلاث سنوات في السجن.

بالإضافة إلى ذلك، ألغيت هيئة العدل والمساواة لمواصلة العمل في أعمال معالجة اليورانيوم ودفعت ما مجموعه 121 مليون دولار إلى 6875 من المتقاضين والمتظاهرين والمتضررين من جميع الإشعاعات التي تعرضت لها المنطقة، وفقًا لوسائل الإعلام البريطانية LadBible.

إقرأ أيضا : قصة فتيات الراديوم وكيف حول الراديوم حياتهم لجحيم لا يطاق