ظاهرة الباريدوليا : خوارق طبيعية أم أوهام تخدع العقل البشري
نظرة سريعة على محتويات المقال:
ما هي ظاهرة الباريدوليا :
تعد ظاهرة الباريدوليا اسمها بالإنجليزية ( pareidolia ) من أغرب الظواهر الغريبة و المبهمة التي عرفها البشر و اختلف علماء النفس في تفسيرها وتصنيفها. فهي تخدع المخ حيث يتخيل المرء مشاهدة وُجُوه مألوفة ( للحيوانات أو الإنسان) لكنها غير حقيقية.
ماذا تعرف عن هاته الظاهرة التي تتسبب في الحيرة والغموض ؟ وكيف يفسرها العلماء ؟ هل هي ظاهرة عادية ام من الخوارق الطبيعية ؟
هل صادف و أن كنت جالسا في الحمام لتجد أن مقبض الباب يبتسم لك ؟ أو قمت بتخمين أشكال الحيوانات في تموجات الستارة ؟ هل تتذكر انك عندما كنت طفلاً وجدت وجه شبح على ورق الحائط ؟ وبالطبع، لا بد أنك أيضا تخيلت بعض الأشكال المعروفة في السحب … إنها ظاهرة نفسية تقع في الدماغ وتسمى ظاهرة الباريدوليا أو تُعرف أيضا باسم متلازمة باريدوليا.
أنها نوع من الوهم الإدراكي ويحدث عندما يكون هناك منبه عشوائي غامض أو لا يكون له معنى كبير بالنسبة لنا، نحن تعتبره شيئًا مهمًا، كشكل أو كائن يمكن التعرف عليه تلقائيًا وبلا وعي.
ومن الامثلة على ذلك رؤية الوُجُوه أو الحيوانات في السحاب أو الجبال، أو وُجُوه كائنات بالبلورات وحتى في الخبز المحمص أو في كأس القهوة، كما من الممكن ملاحظة ظاهرة باريدوليا في مجال الفن الصخري بشكل ملموس.
لا يتسامح دماغنا مع الغموض : فهو بحاجة للبحث عن محفزات مهمة في محيطنا.
إقرأ أيضا : وجوه بيلميز المرعبة أكثر الظواهر الخارقة في القرن العشرين
أسباب باريدوليا :
pareidolia هي تصور حسي خادع. بعبارة أخرى، إنها الظاهرة التي من خلالها تثير المنبهات الخارجية العشوائية، حيث يقوم الدماغ بتخيل تصورات و صور عن كيانات, بالرغم من انها غير موجودة بالفعل “.
تظهر هذه الأوهام في أي مكان حيث يمكننا تحديد هياكل مشابهة للوجوه البشرية ؛ من الأجسام المجهرية إلى الهياكل ذات الحجم الكبير.
في بعض الحالات يمكن أن تحدث هاته الظاهرة بشكل متكرر. “خير مثال على ذلك، المرضى الذين يعانون من الذهان والذين يعانون من الهلوسة ( تجعل المصابون بها يسمعون أصواتًا داخلية تجعلهم يحدثون أنفسهم، ورؤية صورًا لا وجود لها ) هم أكثر عرضة للإصابة بالتهاب السمع (إدراك الأصوات في الضوضاء) ولكن بدون هلوسة.
وبالمثل، تم الإبلاغ عن ارتفاع معدل الإصابة بالباريدوليا البصري في بعض الأمراض العصبية مثل مرض باركنسون، عند ارتباطه بالهلوسة أو أنواع الخرف الأخرى.
وتحدث ظاهرة باريدوليا لأن دماغنا يبحث عن أنماط لبناء الإدراك في العقل، ولهذا السبب نتعرف على آشكال الحيوانات أو الاشياء عندما نرى غيومًا متناثرة في السماء، أو نرى “وجهًا” في صورة جبل.
عملية الرؤية تبدأ في العين، حيث يتم تركيز الصُّورَةِ بواسطة القرنية والعدسة لتعرض على شبكية العين، ويتم اكتشافها ومعالجتها (الشبكية هي أكثر بكثير من مجرد “فيلم فوتوغرافي”، هناك دوائر عصبية تقوم بمعالجة الصورة وتحسينها).
وتنقل هذه المعلومات المرئية الأولية بواسطة مسار محدد (العصب البصري، والتصالب البصري، والشريط البصري) إلى النواة الركبية الجانبية، حيث تتم معالجة المزيد من المعلومات المرئية، ومن أين تخرج الإشعاعات البصرية، متصلاً بالقشرة القذالية.
إقرأ أيضا : استكشاف الفضاء : لغز طالما أثار فضول البشر
ما هي أسباب ظاهرة باريدوليا ؟
ظاهرة الباريدوليا لها تفسير بسيط من وجهة نظر العلماء : دماغ الانسان, أنه “سلكي و مبرمج” للتعرف على الوُجُوه.
يقول العالم النفسي روب جنكينز من جامعة يورك في إنجلترا بأن الباريدوليا لها مغزى تطوري, حيث نبدأ التعرف على الوُجُوه في وقت مبكر جدًا من حياتنا.
يؤكد جينكينز : “يبدو أن الأطفال الصغار والذي لا تتجاوز أعمارهم تسع دقائق يظهرون تفضيلًا لأنماط و أشكال تشبه الوُجُوه.
في إحدى التجارب، قضى الأطفال حديثو الولادة وقتًا أطول في النظر إلى انماط النقاط والخطوط التي تشبه الوجه أكثر من الأنماط العشوائية الأخرى, و هي نتائج تثير الفضول.
مما يعني أن العقل يستجيب لمحفز الصور التي يخزنها بداخله، مما يدفعه إلى الاعتقاد برؤية بعض الأشكال و الأشياء الوهمية.
الباريدوليا خوارق طبيعية ام أوهام تخدع الناس :
من المؤكد أننا لسناا الكائنات الوحيدة التي تعاني من ظاهرة الباريدوليا و مشاهدة أشكال وهمية وغير حقيقية. وجدت دراسة نشرت عام 2017 في Current Biology أن قرود الريسوس (Macaca mulatta) تبدو أيضًا وكأنها تدرك وتعرف الوجوه الوهمية على الاشياء غير الحية من خلال الآليات العصبية التي تسبب أيضًا تصورًا خاطئًا لدينا.
تعد القدرة على إدراك ليس فقط شكل الوُجُوه، و لكن أيضًا إدراك مشاعر الوجه أمرًا في غاية الأهمية، حيث يمكن أن تكشف الوجوهُ عن نوايا الاشخاص و مقاصدهم من خلال التقاسيم و التعابير.
يعتبر نظام الدماغ لاكتشاف الوُجُوه لدينا هو نظام معقد للغاية ومتخصص. ومع ذلك، يمكنك ارتكاب الأخطاء وتحديد الوُجُوه حيث لا توجد بالفعل.
إقرأ أيضا : إمكانية السفر عبر الزمن : 4 أغرب حالات للمسافرين عبر الزمن
رؤية وجوه في الأشياء :
يوجد أمثلة معروفة و شائعة جدا لظاهرة الباريدوليا فمثلا يمكن الشخص أن يرى :
- رؤيه حيوانات أو أشكالا في الغيوم و السحاب و القمر.
- رؤيه وُجُوه على قمم بعض التلال الصخرية.
- رُؤية وجوها في مقدمة السيارة أو خلفها.
- صور الوُجُوه على الأدوات والمباني وما إلى ذلك.
- مشاهدة الأجسام الطائرة المجهولة أو الأشباح أو ظواهر خارقة أخرى.
- رموز دينية نراها على الاشياء اليومية على هيئة (أشجار، حجارة، أغراض، نباتات، إلخ).
- تخيل مشاهدة أشخاص بارزين و مشاهير.
- الوجه المزعوم على سطح المريخ.
أشهر حالات ظاهرة الباريدوليا :
و من أشهر حالات ظاهرة الباريدوليا، وُجُوه بيلميز الغامضة والتي حدثت في مدينة خايين في إسبانيا سنة 1971. تعود أحداث القصة عندما بدأت العديد من الوُجُوه الغامضة و المرعبة في الظهور تحدت بشكل عشوائي في منزل سيدة تدعى ماريا، حيث لاحظت ظهور وُجُوه بشرية في كل أرجاء في البيت، في المطبخ و الأرضية و على الجدران.
تحول بيت ماريا لقبلة سياحية تجذب الكثير من الفضوليين و المهتمين بتفسير الظواهر الخارقة و السياح بسبب وجه بيلميز، و جنت ماريا أموالا طائلة بسبب ما حدث.
وصف علماء التخاطر حينها ظاهرة وُجُوه بيلميز بأهم ظاهرة خارقة في القرن العشرين و التي أثارت الكثير من الضجة العالمية و تصدرت عناوين الصحف، بينما وصف البعض الأخر بأنها مجرد عملية إحتيال من طرف صاحبة البيت لغرض الشهرة و المال و أن تلك الوجوهُ ظاهرة نفسية ليست موجودة على أرض الواقع و صنفوها ضمن مصطلح pareidolia.
من بين أبرز الأمثلة أيضا المرتبطة بظاهرة باريدوليا هي الحادثة الشهيرة التي صورت في الكوكب الأحمر بطريقة عشوائية، بعد أن صور مسبار Viking 1 منطقة تعرف بإسم Cydonia، وهي منطقة من المِرِّيخ، في 25 يوليو 1976.
عندما تم نشر اللقطات الملتقطة من طرف المسبار، بدا بارزا فيها ما يشبه شكل وجه رجل بشري تتحول مبهم على سطح الكوكب الأحمر مما آثار الكثير من الجدل.
إقرأ أيضا : امتلاك الذاكرة الفوتوغرافية : حقيقة علمية أم مجرد سراب
البروسباجانوسيا :
البروسباجانوسيا من الظَواهِر النفسية التي تصيب الدماغ بشكل مؤثر و تعني عمى التعرف على الوُجُوه و صعوبة التمييز بين الوجه المألوف. و تتشارك هاته الظاهرة وظاهرة الباريدوليا في نفس الخصائص تقريبا.
عمى التعرف على الوجوه هو شكل من أشكال العمى البصري (عدم قدرة تذكرالوجوه المألوفة)، حيث توجد عدة فئات من الاضطرابات العصبية التي لا يتعرف فيها الدماغ على ما يُرى بطريقة طبيعية. وهو أيضًا أحد أشهر أنواع العَمْى.
يعرف المريض أن ما يراه هو وجه، لكنه فقد الصلة بين ما يراه وجزء الذاكرة المخصص لتحديد الهوية. ما يفعله هو اعترافات استنتاجية لنبرة الصوت، ولون الشعر، والنظارات، والملابس … وقد لا يكون على دراية بالمشكلة التي يواجهها.
هذا يعني انه على الرغم من امتلاك عيون مثالية والقدرة على جمع كل المعلومات المرئية المتعلقة بوجه الشخص الا أنه غير قادر على اكتشاف الأنماط التي تجعل هذا الوجه فريدًا. باختصار: نرى الوجه ولكننا لا نتعرف عليه رغم أنه شخص مألوف لنا.
عادة يحصل الدماغ على معلومات بصرية تتضمن معلومات عن الوجوه، لذلك يمكن لمناطق أخرى من الجهاز العصبي معالجة هذه المعلومات دون وعي.
إقرأ أيضا : ظاهرة النيكروفيليا أو جماع الأموات : أشهر من مارسها
وهذا يفسر سبب إظهار المرضى الذين يعانون من عمى التعرف على الوجوه نشاطًا عاطفيًا عند رؤية وُجُوه الناس المقربين (أمهم وأصدقائهم و ما إلى ذلك)، على الرغم من أنهم لا يتعرفون عليها بوعي.
علاج الباريدوليا :
ظاهرة باردوليا عبارة عن ظاهرة نفسية مبهمة و خداع بصري, حيث تحدت بشكل عشوائي بسبب تهيؤات في العقل الباطن، لكنها لا تعتبر ظاهرة نفسية خطيرة أو مؤثرة، لأنها من النادر جدا أن تتكرر مع الأشخاص لمرات عديدة أو أيام و شهور متواصلة.
في حالة تكرر حدوث ظاهرة الباريدوليا، يجب أن يلجأ المريض أو المصاب بهاته الظاهرة أو متلازمة باريدوليا للطبيب النفسي، للخضوع للتشخيص، حيث ان أعراض الباريدوليا مطابقة لبعض الأمراض النفسية الأخرى : كالذهان و الهلوسة.