قصة أصحاب الكهف ومعجزة النائمين السبعة وكلبهم
نظرة سريعة على محتويات المقال:
تعتبر قصة أصحاب الكهف ويطلق عليهم عند المسيحيين السبعة النائمون من بين أكثر القصص التاريخية المتداولة، لما تحمله من عبر ومواعظ ومعجزات يصعب تصديقها.
كان أصحاب الكهف مجموعة من الفتية يعيشون في قرية ُمشركة ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، بينما هم آمنوا بالله وتركوا عبادة قومهم عبادة الأوثان وعبدوا الله وحده.
لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا نما كانوا أصحاب إيمان راسخ وقوي، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، فتوعدهم الملك بالعقاب الشديد، مما اضطرهم للفرار واللجوء لكهف ناموا فيه ثلاثمئة وتسع سنوات في معجزة إلاهية بحثة.
فما هي قصة أصحاب الكهف ؟ وهل هي قصة حقيقية فعلا ؟
إقرأ أيضا : مكان سفينة نوح أحد أكبر الألغاز في تاريخ البشرية
قصة أصحاب الكهف :
بدأت قصة أصحاب الكهف عندما قرر الإمبراطور داكيوس زيارة مدينة أفسس للتحقق مما إذا كان المسيحيون يمتثلون لقوانينه وطالب السكان بتقديم تضحية للآلهة والإمبراطور، الأمر الذي رفضه سبعة من النبلاء الشباب فقط.
سمع الإمبراطور بأمرهم لكنه تركهم الإمبراطور بعض الوقت للتفكير وغادر على أمل أن يتخلى الشباب عند عودته عن معتقداتهم المسيحية، إذا لم يفعلوا ذلك فسيُعدمون أمام الملأ ليكونوا عبرة لغيرهم.
أسماء هؤلاء الفتية السبعة تختلف تبعاً للمراجع، فوردت في بعض الوثائق في التراث كالتالي: مكسيميليانوس، أكساكوستوديانوس، يامبليكيوس، مرتينيانوس، ديونيسيوس، أنطونينوس، وقسطنطينوس، (أبو يوحنا).
لقد كان أولئك الفتية الذين يُقال أنّهم كانوا يعبدون الأوثان، فهداهم الله، فآمنوا به، وكانت شريعتهم في ذلك الوقت شريعة عيسى عليه السلام، على عكس أهالي المدينة التي ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم.
إقرأ أيضا : رحلة سلام الترجمان لسد ياجوج ومأجوج وتفاصيلها المثيرة
التمرد على الملك الطاغية :
عندما دعا ملك المدينة الوثني الظالم قومه لعبادة الأوثان رفض الفتية الانصياع له، وهربوا منه ثباتاً وحفاظاً منهم على دينهم، وخرجوا من المدينة، وفي طريقهم مرّوا براعٍ يتبعهم على دينهم وكان معه كلب، ثم استقروا في كهف ودخلوا إليه يتعبدون الله فيه، قال تعالى: (إِذ أَوَى الفِتيَةُ إِلَى الكَهفِ فَقالوا رَبَّنا آتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا رَشَدًا).
قرر الفتية السبعة تسليم ممتلكاتهم للفقراء، واحتفظوا ببعض العملات المعدنية فقط، وبعد ذلك لجأوا إلى كهف مهجور ليكون ملاذاً لهم ومعهم كلبهم حيث ظلوا يصلون في انتظار أن يعثر عليهم جنود الإمبراطور.
لقد قرروا ببساطة النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه.
وكان رجل منهم يذهب للمدينة يبتاع لهم أرزاقهم، حتى جاءهم في يوم من الأيام، وقال لهم بأنّ الملك يبحث عنهم، ويسأل عن أخبارهم وأثرهم، فاستعاذوا بالله من الشيطان الرجيم، فضرب الله على آذانهم فناموا، قال تعالى : (فَضَرَبنا عَلى آذانِهِم فِي الكَهفِ سِنينَ عَدَدًا).
استمر بحث الملك وأتباعه عن الفتية، حتى وصلوا إلى مكان الكهف الذي لجؤوا إليه، وكلما حاول رجل منهم أن يدخل عليهم الكهف دبّ الرعب فيه، قال تعالى : “لو اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا” فلم يتحمل أن يدخل عليهم أحد، فجاء الأمر من الملك بإغلاق باب الكهف عليهم حتى يفنَوا وهم فيه، وهو في ذلك يظنّ أنّهم مستيقظون، إلا أنّ الحقيقة أنّ الله توفّى أرواحهم وفاة النوم.
بعد ذلك قرر الإمبراطور ومن معه إغلاق مدخل الكهف بالحجارة الكبيرة حتى يموت الفتيان السبعة بداخله.
إقرأ أيضا : مدينة النحاس الاسطورية التي بناها الجن بأمر النبي سليمان
اللجوء إلى الكهف :
تقول الأسطورة أن الفتيان السبعة استمروا في النوم لثلاثة قرون دون المعاناة من الجوع أو العطش أو البرد. وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجاسدهم. فكان الناظر إليهم يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.
قال الله سبحانه تعالى : (وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم ذاتَ اليَمينِ وَإِذا غَرَبَت تَقرِضُهُم ذاتَ الشِّمالِ وَهُم في فَجوَةٍ مِنهُ)، فالآية تتحدث عن ميلان الشمس عنهم عند شروقها واشتداد حرها، وميلانها عنهم كذلك عند غروبها، فلا تؤذيهم في أول النهار ولا في آخره بحرّها، ولا تغير صورهم.
قال تعالى: (وَتَحسَبُهُم أَيقاظًا وَهُم رُقودٌ)، فعندما ضرب الله على آذانهم وناموا لم تنطبق أعينهم، بل بقيت مفتوحة، وقيل : ( يطبقون عيناً ويفتحون عيناً)، وذلك حفاظاً عليها من البِلى، لأنّ بقاءها معرّضة للهواء أدعى لحفظها وأبقى لها.
وقال سبحانه وتعالى: (وَنُقَلِّبُهُم ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ الشِّمالِ)، فالآية تتحدث عن تقليبهم بحركة مستمرة تارة لليمين وتارة للشمال، وذلك ليُبعد الله عنهم تعب وعناء النوم الطويل، ولئلا تأكلهم الأرض.
قرر راعي مسيحي أن يكتب عند مدخل الكهف أسماء الشهداء (مكسيميليانوس، أكساكوستوديانوس، يامبليكيوس، مرتينيانوس، ديونيسيوس، أنطونينوس، وقسطنطينوس) وتاريخهم ظنا منه أنهم ماتوا ولقي حتفهم.
إقرأ أيضا : جنة عدن الضائعة : اين تقع وكيف هي أوصافها
معجزة ربانية :
بعد مرور 3 قرون بعث الله تعالى أصحاب الكهف، واستيقظوا من رقادهم، ولم يُدركوا حينها كم من الوقت قد مضى وهم في كهفهم نائمون، فتساءلوا عن ذلك، قال الله تعالى : “قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا”
استيقظوا من سباتهم الطويل، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. فتساءلوا: كم لبثنا؟! فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم.
ثم بدأوا التفكير في تدبير أمرهم، فأخرجوا نقودهم، وطلبوا من أحدهم أن يذهب للمدينة دون أن يراه أحد، ليشتري لهم زاداً وطعاماً، فخرج الرجل إلى القرية، وتفاجأ بتغيّرها، وأنّها لم تعد كما كانت، وسار فيها مندهشاً، فعرف أهل القرية بحاله بسبب دهشته وثيابه والنقود القديمة التي كان يحملها معه، وميّزوا أنّه غريب عنهم.
فَكُلَّمَا أَتَى بَابَ مَدِينَتِهِمْ رَأَى شَيْئًا يُنْكِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: بِعْنِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا، قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ! قَالَ: خَرَجْتُ وَأَصْحَابٌ لِي بالأَمْسِ، فَآوَانَا اللَّيْلُ لكهف ثم أَصْبَحُوا، فأرسلوني فلم يَعرف بائعُ الطعام النقود القديمة التي دفعها إليه الفتى، فَسَاقَه إلى المَلِك وهناك تبيّن كلّ شيء.
إقرأ أيضا : سكان جوف الأرض : أشكالهم وأوصافهم و عوالمهم الخفية عن بني البشر
الحقيقة الصادمة في زمن المعجزات :
لقد نام الفتية ثلاثمِئة سَنة وتسعاً، وكانت الوثنيّة قد ذهبت وحلّ محلّها التوحيد والايمان، وفَرِح المَلِك بأصحاب الكهف فَرَحاً عظيماً؛ لأنّ بَعْثَهُم قد أَيّدَ عقيدةً دينيّةً كان البعض يَشكّ في صحّتها، وهي أنّ الناس يُبعثون كما هم بالجَسَد والروح معاً،
فبعث الملك في الناس، فجمعهم فقال: إنكم قد اختلفتم في الروح والجسد، وإن الله عز وجل قد بعث لكم آية، فهذا رجل من قوم فلان يعني الملك دقْيَنُوس فقال الفتى : انطلقوا بي إلى أصحابي، فذهبوا حتى انتهوا إلى الكهف، فقال الفتى: دعوني أدخل إلى أصحابي، فلما أبصرهم ضرب الله على أذنه وعلى آذانهم، فلما استبطئوه دخل الملك ودخل الناس معه، فإذا هم أجساد لا ينكرون منها شيئاً غير أنها لا أرواح فيها.
وفي أثناء تلك السنوات التي مضت كان أهل المدينة التي غادرها الفتية قد آمنوا، ومات الملك الظالم الذي كان يحكمهم، وحلّ مكانه رجل صالح، وسُرّ الناس بأولئك الفتية الذين كانوا أول من آمن من القرية، وثبتوا على ذلك، وأخذوا منهم العبرة، وصدّقوا بقدرة الله على إحياء الموتى بعدما رأوهم، وأنّ الساعة لا ريب فيها، ثم توفى الله تعالى الفتية، فاختلف الناس في أمرهم، حتى دعا بعضهم إلى إقامة بناء على كهفهم، تخليداً لذكراهم.
قال الله تعالى في عدد أصحاب أهل الكهف: (سَيَقولونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُم كَلبُهُم وَيَقولونَ خَمسَةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجمًا بِالغَيبِ وَيَقولونَ سَبعَةٌ وَثامِنُهُم كَلبُهُم قُل رَبّي أَعلَمُ بِعِدَّتِهِم ما يَعلَمُهُم إِلّا قَليلٌ).
لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. فقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية. لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم. وها هم قد عادوا. فمن حق أهل القرية الفرح. وذهبوا لرؤيتهم. وبعد أن ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات.
إقرأ أيضا : لغز الكأس المقدسة الكنز الذي تم البحث عنه لقرون طويلة
حكم ومواعظ في قصة أصحاب الكهف :
بعد نوم دام لمدة ثلاثة قرون لماذا أعثر الله عليهم ؟ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا [الكهف: 21]، وأنه مهما مات الناس، ومهما بقوا في القبور فإن الله سيبعثهم، وهذا مشهد يقرب الأمر، ناس ناموا ثلاثمائة سنة وبعثهم الله، فالذي ينام أكثر من ذلك يموت، فإن الله يبعثه، الرقدة التي في القبر يبعث الله أهلها.
فالله ثبتهم، والله صبرهم، والله هداهم ودلهم على الحق والحقيقة، فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فهو الذي خلقنا، ورزقنا، ودبرنا، وربانا، ليست الأوثان، ولا الأصنام، لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا لو قلنا بمثل ما يقول قومنا لبعدنا عن الصواب، صارت القضية شطط، إن أصحاب الفطرة السليمة يستدلون بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، ما دام الرب هو الخالق الرازق إذًا هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الكهف: 15].
وقد كانت هذه القصة العجيبة بدلالاتها وفوائدها وعبرها، آية للمؤمنين، يعرفون بها كيف ينال أهل الخير البركة بصحبة الأخيار، من صاحب الأخيار ذكر معهم، وهؤلاء صار لهم شأن بل إن كلبهم قد ذكر في القرآن لأنه صحب الأخيار، فإذا كان كلب صار بهذه الدرجة لمخالطته أولياء الله الصالحين وحراستهم، فما ظنك بالمؤمنين المحبين للصالحين الذين يخالطونهم.
إقرأ أيضا : معجزة الشمس في فاطيما : عندما تجسدت مريم العذراء لأطفال صغار في البرتغال