قصة عزير عليه السلام: أحياه الله بعد مئة سنة في معجزة ربانية خالصة
نظرة سريعة على محتويات المقال:
تعتبر قصة عزير عليه السلام من بين أغرب القصص التاريخية في القرآن الكريم والتي تبين قدرة وعظمة الله سبحانه وتعالى.
هو نبي من أنبياء الله مات 100 عام ثم أعاده الله للحياة في معجزة لم تحصل لأحد من البشر من قبل، مات قرنًا كاملًا واستيقظ كما مات شابًا قويًا، وخلال موته حدثت أمور عظيمة فأستيقظ وبدأت أحداث أعظم، قصتهُ غريبة ومليئة بالتفاصيل المدهشة.
أنبياء بني إسرائيل كُثر ومن كثرتهم لم يتم ذكرهم كلهم في القرآن الكريم إنما فقط تم ذكر بعضًا منهم، ومن هؤلاء الانبياء الذين ذكروا في القرآن هو النبيّ الذي سنسرد قصته الآن والتي تخفى عن الكثيرين تفاصيلها العظيمة والمفيدة، قصة هذا النبيّ تعود لأكثر من ثلاثة آلاف عام.
إقرأ أيضا : قصة مائدة بني إسرائيل: نزلت من السماء لتظهر قدرة الله تعالى
قصة سيدنا عزير وحماره
نبدأ قصة عزير عليه السلام، في يوم حار في قرية جافة تبعد عن بيت المقدس بضعة كيلو مترات يعيش بهذه القرية رجل اشتهر بالصلاح والعلم يُدعى “عُزير”، كان لعزير مزرعة بعيده عن قريته وكان يذهب إليها يوميًا ليسقي نباته ويطعم أغنامه، ومابين قريته ومزرعته مقبره كانت سابقًا حضارة عظيمة قبل أن تتحول لمقبرة تحيطها الركام.
مضى عزير في الطريق الذي أعتاد العبور منه بإتجاه حديقته لعله يدرك أغنامه قبل أن يصيبهم الجوع والعطش، فوصل إليهم فأطعمهم وسقى أشجاره وأغراه نضج التين والعنب فلم يتمالك نفسه فقطف العنب والتين وذهب بإتجاه حماره الذي لطالما صحبه في حله وترحاله ليعيده لقريته التي ولد فيها واحتضنته..
لكن الجو كان قاسٍ على عزير وحماره وكان التعب ينال من الحمار أكثر من عزير، تباطأ الحمار في سيره ولم يستطع اكمال المسيرة فوقف بجانب المقابر التي كانت في السابق مدينة مزدحمه بالناس، استغل عزير هذه الفرصة حتى يريح نفسه ويريح حماره من عبء الطريق ويتناول طعامه ثم يكمل طريقه.
دخل عزير للمقابر وأخذ يبحث عن مكان يحميه من أشعة الشمس، فوجد المكان المناسب فربط حماره وأخرج غذاءه وكان معه بعض الخبز الجاف والعنب والتين، فعصر العنب ووضعه في صحن ووضع فوقه الخبر الجاف حتى يلين الخبز قليلًا ويستطيع اكله، وأثناء انتظاره طعامه قرر التأمل في المكان الذي يحيط فيه.
الخراب يحيط فيه، والمنازل المهدمه في كل مكان، والقبور الذي مرّ عليها سنين منتشرة حوله والاموات داخلها تحولت عظامهم إلى تراب، وكل شيء صامت وميت فأخذ يتأمل ويتفكر في حالهم كيف انقلب فجأة، واثناء تفكيره خطر بذهنه سؤال معين، هذا السؤال غير حياته رأسًا على عقب وغير حياته تغيرًا جذريًا.
إقرأ أيضا : قصة أصحاب السبت: قوم عصوا الله فمسخهم لقرود عبرة لمن لا يعتبر
معجزة عزير عليه السلام
قال عزير “أنى يحيي هذه الله بعد موتها” بمعنى كيف يحيي الله هذه الارض بعد أن دُثرت وخربت ولم يبقى منها شيء؟ تسائل عزير عن طريقة أحياء هذه الارض هو لايشك بقدرة ربه لكنه متعجب من الطريقة التي يحيي الله بها هذه الأراضي الميتة، ولم يكمل عزير هذا التساؤل حتى حدثت المعجزة العظيمة.
بعث الله ملك الموت فقبض روحه، وبعد بضعة ليالٍ مات الحمار المربوط فلم يأتي أحد لإنقاذه، فتمدد الحمار بجانب صاحبه ميتًا فهرع أهل القرية للبحث عن عزير، بحثوا في حديقته وفي قريته ووصلوا إلى بيت المقدس ولم يبقى مكانًا إلا وبحثوا فيه ماعدا المقابر فلم يخطر على بال أحد أن عزير يرقد بها.
استمرت عملية البحث لشهور ثم لسنين حتى بدأ يتناسى الناس قصة عزير عليه السلام واصبحوا ينقلونها كأسطورة من أساطيرهم وكقصة أختفاء مرعبة وغريبة، حتى أبناءه نسوه وانشغلوا في حياتهم وحاولوا المضي قدمًا، فنسيه الكل ماعدا خادمة كانت تعمل في منزل عزير وكان عمرها لايتجاوز العشرون عندما اختفى عزير.
إقرأ أيضا : قصة بقرة بني إسرائيل: معجزة إلاهية تبين كيفية تحقق العدل الإلهي
ونهض في مكانه الذي مات فيه، وأخذ ينظر حوله وتذكر أنه نام في المقابر لكنه عجز عن معرفة عدد ساعات نومه بالضبط كم كانت، فسأله الملك الذي بعثه الله، كم لبثت؟ فقال له “لبثت يومًا أو بعض يوم” فقال له الملك: بل لبثت مئة عام.. أماتك الله مئة عام ثم بعثك لتعرف الإجابة على سؤالك.
صُعق عزير من الذي سمعه واصابته الدهشة والرعب وشعر ببرودة تتسلل إلى أطرافه من شدة الخوف والاستغراب، لكن رغم كل مشاعر الخوف هذه كان هناك إيمان عظيم يسكن قلبه ويحتوي روحه إيمان بأن الله قادرٌ على كل شيء وهو أعلم بعباده والخير كله فيما قدمه واختاره سبحانه، وبيده الموت والحياة والبعث.
قال الملك لعزير “أنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه” بمعنى أنظر إلى طعامك لم يفسد ولم يتغير رغم مرور مئة عام، فوجد أن التين كما هو وأن عصير العنب الذي وضع الخبز فيه لم يتغير وكأنه تركه منذ دقائق وليس منذ مئة عام، فُدهش عزير أكثر فكيف تمر كل هذه السنين ولم يتغير طعامه أبدًا…
شعر المَلك الكريم أن عزير محتار وكأنه غير مصدق ماحدث، فقال له “أنظر إلى حمارك”، فنظر عزير للحمار فلم يجد سوى تراب حماره وبقايا عظام هشة، فنادى المَلك الحمار فتحول بقدرة الله إلى عظام ثم إلى لحم ثم إلى جلد ثم بعث الله فيه الروح وقام الحمار أمام أنظار عزير من الموت للحياة مرة أخرى.
رجوع سيدنا عزير إلى قومه بعد 100 عام
شاهد عزير كيف يحيي الله الموتى أمام عينيه وكيف يستطيع الله جل وعلا إحياء كل خلقه بعد موتهم، فقال عزير بعد أن شاهد هذه الآية تحدث أمامه “أعلم أن الله على كل شيء قدير”، ركب عزير حماره وإتجه لقريته التي ولد وكبر وترعرع بها عاد إليها بعد مئة عام، في مشهدٍ تعجز حتى العقول على تخيله، لتأخذ قصة عزير عليه السلام منحى تصاعدي لا يصدق.
كل شيء تغير في القرية، البيوت تغيرت والشوارع تغيرت والناس تغيروا والألوان والتفاصيل وكل شيء تغير، وكأنه دخل قرية في قارة أخرى وليس قريته التي ولد فيها ويحفظ معالمها وطرقها، عزير خرج من القرية وهو ابن 40 سنة، وعاد إليها وهو ابن 40 سنة، لكن لا شيء بقي على حاله أبدًا.
احتار عزير كيف يعلم أهل القرية أنه عاد وكيف يذكرهم فيه وهل أساسًا سيعرفونه أم لا، فقرر أن يبحث عن رجل عجوز او امراة مسنة لعلهم يذكرونه، فأخذ يبحث لأيام عن من يتذكره وبعد بضعة ليالٍ عثر على امرأة طاعنة بالسن امرأة رآها لأخر مرة عندما كانت في العشرين وكانت تخدمه في بيته.
عثر عزير على خادمته وكانت قد بلغت المئة والعشرون سنة وفقدت بصرها، فاقترب منها وسألها أين منزل عزير ياامرأة؟ فبكت العجوز واخذت تتذكر عزير وأخلاقه وعلمه وقالت اختفى منذ زمن ولم يعد، فقال لها “أنا عزير أماتني الله مئة عام ثم بعثني”، لم تصدقه العجوز فكان يقول شيء عجيب لايصدقه بشر.
إقرأ أيضا : قصة أصحاب الكهف ومعجزة النائمين السبعة وكلبهم
فأرادت أن تختبره اختبارًا صعب، هي كانت تعلم أن عزير مستجاب الدعوة حاله كحال الانبياء والصالحين فقالت له إن عزيرًا كان مستجاب الدعوة فادعوا الله أن يرد لي بصري فدعا عزير الله أن يرجع بصرها، فاستجاب الله لدعوته ورد إليها بصرها وقوتها، وشاهدته وعرفت أنه عزير فراحت تركض وهي تبكي.
وأخذت تصرخ في كل ارجاء القرية وتقول أن عزير قد عاد، فُدهش الناس مما تقول وظنوا أن شيئًا اصاب عقلها فاجتمع العلماء والحكماء في مجلسٍ خاص ليناقشوا هذا الامر العظيم وكان من بينهم حفيد عزير ابن ابنه، فقرروا أختبار عزير ليحددوا صدقه من كذبه فجاء إليه أحد الحكماء وسأله وقال له:
نسمع من آبائنا أن عزير كان نبيًا ويحفظ التوراة، والتوراة تحديدًا كانت قد ضاعت في حروب وفساد كان في المئة عام المنصرمة والتي مات بها عزير، فاخبر الحكيم عزير أن التوراة قد ضاعت وعزير الذي سمعنا عنه كان يحفظ التوراة في صدره، فادرك عزير أن التوراة انقطعت تمامًا عن القوم.
فذهب عزير إلى الظل وأخذ يكتب التوراة حرفًا حرفًا وكلمة كلمة حتى أنتهى من كتابة التوراة كاملة وسط ذهول من الناس ودهشة، وما أن انتهى من الكتابة حتى آمن الناس به وصدقوه، لكن مهمة عزير لم تنتهي بعد فعزير كان قد خبأ نسخة من التوراة قبل أن يموت في مكانٍ ما خوفًا أن تطالها أيدي الفاسدين.
فقرر أن يستخرجها من مكانها ويقارنها مع التي كتبها حتى يتأكد من خلو كتابته من أي خطأ، لكنه صُدم عندما ووجد أن التوراة التي خبأها قد اختفت، فعرف عزير واستوعب أن الله لم يميته فقط حتى يريه كيف يحيي الموتى بل ايضًا حتى يخرج ويكتب للناس التوراة بعد أن ضاعت بسبب الحروب.
وبعد أيام قليلة كعادة بني إسرائيل ادعوا أن عزير أبن الله، وضلوا عن الطريق الحق كعادتهم بل وبعضهم قارن عزير بموسى وقالوا موسى جاء بالتوراة في كتاب أما عزير فجاء بالتوراة بدون كتاب وظلموا موسى عليه السلام وادعوا أن عزير ابن الله وضلوا ضلالًا عظيما.
قال تعالى:
المصادر
- البداية والنهاية لابن كثير
- الاحاديث الصحيحة من أخبار وقصص الأنبياء لإبراهيم محمد علي
- الكامل في التاريخ لأبن الاثير