حادثة تشي تشي جيما : عندما أكل الجنود اليابانييون لحوم أسرى الحرب الأمريكيين
نظرة سريعة على محتويات المقال:
تعتبر حادثة تشي تشي جيما أو Chichijima incident واحدة من أبشع وأشهر الحوادث في تاريخ بلاد الساموراي، حيث وصلت أصدائها لباقي بلدان العالم وشكلت صدمة للعديدين.
في أغسطس 1946، بعد مرور عام على استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، تمت محاكمة العديد من الجنود اليابانيين وحكم عليهم بالإعدام بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وعلى وجه التحديد، تم إلقاء اللوم عليهم في تعذيب وإعدام ثمانية طيارين أمريكيين تم إسقاطهم سابقًا.
ومع ذلك، كانت هناك تهمة إضافية وجهت لهم، ألا وهي تهمة آكل لحوم البشر، حيث إلتهم الجنود اليابانيون خمسة طيارين أمريكيين، لقد سُجلت تلك الحادثة المروعة في كتب التاريخ باسم حادثة شيشي جيما، نسبة إلى المكان الذي وقعت فيه تلك الحادثة : جزيرة تشي تشي جيما.
تشيتشي-جيما هي جزيرة تقع في أرخبيل أوغاساوارا، والتي كانت تُعرف حتى القرن التاسع عشر باسم جزر بونين، تقع على بعد حوالي 242 كيلومترًا شمال إيو جيما، التي تقع في طرفها الجنوبي، وتشكل جزءًا من محافظة أوغاساوارا الفرعية في طوكيو.
إقرأ أيضا : الوحدة اليابانية 731 : النقطة السوداء في تاريخ بلاد الساموراي
قصة حادثة تشي تشي جيما
نعتقد في كثير من الأحيان أن أكل لحوم البشر هو ممارسة وحشية تنتمي فقط إلى الثقافات المنقرضة أو المتخلفة؛ نحن نتخيل قبائل تمارس أنواعًا معينة من طقوس أكل لحوم البشر حيث تبقى عظام الضحية فقط، لكن أكل لحوم البشر كان حاضرا في أهم الأحداث التاريخية كما هو الحال في حادثة تشي تشي جيما.
في 21 سبتمبر 1944 خلال الحرب العالمية الثانية، هاجمت طائرات مقاتلة أمريكية جزيرة تشي تشي جيما، وهي جزيرة صغيرة تبعد 700 ميل (1,100 كيلومتر) عن جنوب طوكيو، وأسقطت الطائرات اليابانية تسع طائرات أمريكية، ونجا تسعة من الطيارين الأمريكيين من تحطم طائراتهم.
أسر الجيش الياباني الجنود الأمريكيين التسعة في جزيرة تشيشي جيما، تم إنقاذ أحدهم بواسطة الغواصة USS Finback، وسيصبح لاحقا الرئيس بوش الأب، ونقل الجيش الياباني الثمانية الآخرين إلى جزء آخر من الجزيرة. وبحسب شهود عيان، تم إعدام الثمانية جميعاً، وهي ممارسة شائعة إلى حد ما بين الجنود، لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن طبيعياً.
أقام الجيش الياباني حفلة صغيرة، حيث تناولوا الكثير من الطعام والشراب، طلب الرجل المسؤول من أحد مرؤوسيه إحضار بعض الكيمو من قبر جديد، كيمو باليابانية تعني اللحوم، وخاصة الكبد.
نفذ العريف الأمر وأحضر قطعة من الكبد فسلقوها وقلوها وأكلوها مع القليل من الساكي (شراب كحولي ياباني يصنع من الأرز المخمر)، كان هذا الكبد ملكًا لأحد أسرى الحرب الأمريكيين.
إقرأ أيضا : قصة إبادة الهنود الحمر : إبادة جماعية عرقية يندى لها الجبين
الجنود اليابانيين آكلي لحوم البشر
وفقًا للتقارير المكتوبة والشهادات المقدمة من فرع جرائم الحرب الأسترالية بمحكمة طوكيو والتي حقق فيها المدعي العام ويليام ويب، ارتكب اليابانيون أعمال أكل لحوم البشر ضد أسرى الحرب التابعين للحلفاء.
اليابانيون لم يرحموا الجنود الأمريكيين الأسرى، إذ يقال إنهم قرروا أكل الجنود أحياء، بتروا أطرافهم وفي نفس المكان، قاموا بالتهامهم، لأنه في جزيرة شيشي جيما لم يكن هناك تبريد كافٍ لحفظ اللحوم، وإلى بومنا هذا يُعرف هذا الحدث التاريخي باسم حادثة شيشي جيما والتي وقعت في عام 1944.
كان أعلى ضابط ياباني رتبة قد أدين بأكل لحوم الجنود الأمريكيين هو الملازم يوشيو تاتشيبانا، الذي حوكم مع أحد عشر يابانيًا آخرين بتهمة إعدام طيارين أمريكيين وأكل لحوم البشر لواحد منهم على الأقل، كان تاتشيبانا مسؤولاً عن حراسة الجزيرة.
إقرأ أيضا : محاكم التفتيش الاسبانية : إما إعتناق المسيحية أو الموت
تحليل البروفيسور تاناكا
لا يزال من غير المعروف لماذا مارست القوات اليابانية أكل لحوم البشر تجاه جنود العدو والمدنيين في الحرب الأخيرة وخاصة في حادثة تشي تشي جيما.
يقول البروفيسور تاناكا، وهو باحث في شؤون اليابان الغربية من قسم العلوم السياسية بجامعة ملبورن، إنه وجد أدلة دامغة على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الجيش الياباني في الحرب العالمية الثانية، لقد قام بتوثيق ما لا يقل عن 100 حالة أكل لحوم البشر ضد جنود أستراليين وهنود وآخرين من غينيا الجديدة والفلبين.
وبحسب الأستاذ، كانت هناك بعض المناسبات التي فعل فيها الجيش الياباني ذلك من أجل النجاة من الجوع، لكن معظمها ليس لها تفسير: “كان اليابانيون أقوياء، وكان لديهم البطاطس والأرز والأسماك للبقاء على قيد الحياة طوال الحرب”، بحسب البروفيسور.
ولا يمكن أن يكون الانهيار الأخلاقي للجيش عاملا أيضا، لأنه يؤكد أنه كان جيدا أيضا، وفي كثير من الأحيان فعلوا ذلك بأوامر من القادة، فتوقف عقلهم عن الاهتمام واعتمدوا على الرغبات والأوامر الأولية، كما أوضحت حنة أرندت في كتابها كيفية مواجهة تفاهة الشر، الذي تزعم فيه أن الجنود كانوا لم يكونوا على علم بالفظائع والعنف الذي يرتكبونه كل يوم.
إقرأ أيضا : التجارب النازية على البشر : تجارب مروعة للحفاظ على العرق الآري
شهادات الناجين من جحيم آكلي لحوم البشر اليابانيين
إدعى أسير حرب هندي يدعى هالديلفار تشانغدي رام، أنه بينما كان يختبئ خلف شجرة، “قطع جندي ياباني رأس طيار من الحلفاء، وأضاف قائلا: شاهدت بعض اليابانيين يقطعون اللحوم من أذرعهم وأرجلهم ووركهم وأردافهم ثم يحملونها إلى ثكناتهم، “لقد قطعوها إلى قطع صغيرة وقلوها.”.
شهد جندي هندي آخر يُدعى لانس نايك حاتم علي تم أسره في غينيا الجديدة أن اليابانيين يختارون السجناء كل يوم، وقد قُتل أحد السجناء البائسين وأكله اليابانيون. ثم نقلوهم مسافة 80 كيلومترًا وبنفس الطريقة اختار اليابانيون السجناء ثم أكلوهم، تم نقل المختارين إلى كوخ حيث تم أخذ اللحم منهم وهم على قيد الحياة ومن ثم تم إلقاؤهم في حفرة ليموتوا.
وبحسب تصريحات جندي أسترالي، فقد كانت هناك أوقات عثروا فيها على بقايا الجثة، لكنها لم تكن سوى الرأس وعظم العمود الفقري، يبدو أن العديد من البقايا قد تم تقطيعها. ذكر رجل باكستاني تم أسره عندما غزت اليابان سنغافورة ونقله إلى غينيا الجديدة أنه في المنطقة التي سُجن فيها، كان الجنود اليابانيون يقتلون ويأكلون سجينًا واحدًا يوميًا لمدة 100 يوم، وشاهد اليابانيين يقطعون ويقطعون أوصال رفاقه.
وفي قرية سويد، كان طبيب من اليابان يزور الهند بشكل دوري ويختار الرجال الأكثر صحة، بدعوى نية القيام بعمل في الجيش لكنهم لم يعودوا أو يظهروا مرة أخرى، أرسل الجند الهندي المكلف بهم لأداء بعض المهام خارج المعسكر ووقتها قتلوهم وأكلوا لحومهم الطازجة: الكبد وعضلات الأرداف والأرجل والأذرع، وتم تقطيعها وطهيها، روى الكابتن بيرزاي هذه القصة لصحيفة The Courier-Mail في عام 1945.
لقد احتفظوا بالسر، لكن اليابانيين، بحسب المؤرخ البريطاني أنتوني بيفور، استخدموا أسراهم كماشية بشرية، يبقونهم على قيد الحياة ثم يلتهمونهم.
وقد كانت استراتيجية عسكرية منهجية ومنظمة، على حد تعبيره، لقد حاولوا الحفاظ على الفظائع التي ارتكبوها بحق السجناء، بدءًا من تشريح الأحياء دون تخدير، وحتى الإعدام بمئات طلقات الحربة، لكن الممارسات التي تسببت في أكبر الأثر كانت ممارسات أكل لحوم البشر.
قد يهمك: طقوس السوكوشينبوتسو اليابانية : تحنيط الرهبان البوذيين وهم على قيد الحياة
إعتذار الحكومة اليابانية
في البداية، لم يقبل اليابانيون التهم الموجهة إليهم بارتكاب هذا النوع من الجرائم، على الرغم من إدانة الملازم يوشيو تاتشيبانا بأكل لحوم البشر وتم شنقه بسبب ممارساته في عام 1947 مع 11 جنديًا آخر، لكن الأدلة تشير إلى أنها لم تكن الكتيبة الوحيدة التي ارتكبت هذه الجرائم.
كانت حادثة تشي تشي جيما واحدة من العديد من الجرائم التي ارتكبتها اليابان ضد أسرى الحرب الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية. أثار الحادث غضبًا شديدًا في الولايات المتحدة، وساهم في تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان بعد الحرب.
في عام 1974، اعتذرت الحكومة اليابانية رسميًا عن حادثة شيشي جيما. تم إنشاء نصب تذكاري للطيارين الأمريكيين الذين قتلوا في الحادث في جزيرة تشي تشي جيما في عام 1995.
إقرأ أيضاً: عصابة الياكوزا اليابانية : أكبر تنظيم إجرامي في العالم في أكثر الدول أمانا