مدينة بابل والسحر : أكثر الحضارات إتقانا لفنون السحر
نظرة سريعة على محتويات المقال:
مدينة بابل والسحر هما شيئان لا يفترقان، حيث كان سكان حضارة بابل بارعين ومبدعين في عالم الروحانيات والسحر بمختلف أنوعه.
كانت الممالك العديدة التي تكونت بلاد ما بين النهرين رائدة في مختلف المجالا ، مثل السحر أو التجارب مع الأشباح أو ما يسمى الإتصال مع الأموات، مما خلق أسطورة كاملة عكست الصراع بين النور والظلام.
حفل تأريخ بابل وآشور بالمزيد من المعرفة ووسائلها لاستكناه الغيب، ومعرفة الطالع، ومقاومة الجن والعفاريت التي كان يظن بانها تصاحب الإنسان وتتشبث به بل تتزوجه احياناً أيضاً.
ولقد اشتهرت مدينة بابل بمزاولة عمل السحر ولم يكن السحر معترفاً به فحسب بل اتخذ اداة لمخاطبة الآلهة وكان الكهنة في مقدمة الذين كانوا يستعملونه في المعابد، بل يعتبر جزء مكملاً للديانة البابلية ذاتها.
في منطقة الشرق الأدنى الشاسعة الخصبة بابل، التي يسقيها نهرا دجلة والفرات، نشأت بعض أروع الحضارات في العالم القديم. في بلاد ما بين النهرين، هناك كافحت الآلهة ضد الوحوش ما قبل الطوفان، وكانت الأمراض تسببها الشياطين، وتنبأت الوحوش بالمستقبل.
إقرأ أيضا : حدائق بابل المعلقة : تحفة هندسية منقطعة النظير
ســـحر أهــل بـابــل :
كانت بابل، في العراق حاليً ، عاصمة إمبراطورية ضخمة تحت حكم حمورابي، وتألقت كقوة سياسية وثقافية ودينية إلى أن فقدت شعبيتها وقوتها في عهد الإسكندر الأكبر.
عُرفت مدينة بابل بالسحر و فنونه منذ الازل مما جعل مدينة بابل والسحر شيئان متلازمان، ولكن السحر لم يكن أمرا عادياً او هيناً في بابل، بل كان يُعد من الجرائم الكبرى .. و من يمارسه يُحكَم عليه بالإعدام حتى الموت اضافة الى تجريده من بيته وممتلكاته.
من الأمم القديمة التي مارست السحر وضلّت به أهل ( بابل ) قال تعالى :
( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) .
وبابل التي يشير إليها النصّ الكريم كانت مدينة بالعراق على ضفتي الفرات, ولا تزال آثارها قائمة إلى اليوم , وكانت أعظم مدائن العالم في وقتها , وكانت واسعة الأرجاء كثيرة العلوم والفنون ومن هذه العلوم والفنون علم السحر والفلك.
وقد اشتهر انتشار السحر عند أهل بابل واستفاض العلم به مع نص القرآن عليه، يقول ابن خلدون :
” وأما وجود السحر في أهل بابل وهم الكلدانيون من النبط والسريانيون فكثير ونطق به القرآن وجاءت به الأخبار، وكان للسحر في بابل ومصر أزمان بعثة موسى عليه السلام أسواق نافقة “.
إقرأ أيضا : عجائب الدنيا السبع في العالم القديم من بناها وأين تقع
مدينة بابل والسحر :
لقد إقترنت مدينة بابل والسحر مع بعضهما، حيث أن السحر عند البابليين كان يشبه السحر عند الفراعنة كما يشبه السحر الأسود، كما ذكر القرآن بأن السحر البابلي والذي تمثل في الملكين هاروت وماروت من أخطر أنواع السحر.
وضع البابليون قوانين لعلم السحر والشعوذة الذي كانت له مكانة لدى أهل بابل والشرق في العصور القديمة،.
كان رجال الكهنوت أعلى مكانة من رجال الدين، فكانوا يقيمون طقوساً خاصة بذلك، وكانت الشياطين تلعب دوراً بارزاً في السحر حتى إن الساحر كان يقارع الشياطين الشريرة الضارة، واستخدم البابليون السحر في الطب وشفاء الأمراض.
لقد كان أهل بابل يعتقدون أنّ الأرواح الخبيثة مسؤولة عن الكوارث التي تحلّ بالعالم من وقت لآخر كالزلازل والبراكين والعواصف والفياضانات المغرقة ،، ومن ثم كان من الضروري استخدام التعاويذ لمنع عبث هذه الأرواح بالنظام العام الذي يسير العالم على مقتضاه.
وقد رتبت هذه التعاويذ في لوحات مختلفة لكل نوع منها أثره الخاص في ناحية من هذه النواحي .. وكان الكلدانيون يستعملون دماء الطيور بعد ذبحها في أعمالهم السحرية ,, ولذا كانوا يُعنون بأمرها ويطعمونها طعاما خاصا ولا يأكلونها أبدا.’
كان السحرة في بابل صنفين هما السحرة الشرعيون المعترف بهم من قبل الملك والكهنة، والسحرة غير الشرعيين وكان السحرة غير الشرعيين خصوماً للكهنة لأنهم ينافسونهم في ممارسة اعمال السحر وينتفعون من ورائها انتفاعاً كبيراً.
كان الكاهن الساحر الذي يعزم على العفاريت ليخرجها من جسد الإنسان يسمى لدى البابليين باسم (مسمشو) أو (اشيبو) ويعني ذلك (الكاهن الذي يقرأ التعاويذ).
وقد كان البابليون يعتقدون ان استعمال السحر يمكن ان يؤدي إلى الحصول على المال والشرف وإعادة الشباب الدائم. وان من يريد ان يحقق هذه الامور عليه ان يستعين بالساحر الشرعي لا بالاشيبو. ومن هنا ارتبطت اعمال السحر بالكهانة وبقيت حية تتحدى القوانين الوضعية عدة قرون.
إقرأ أيضا : خاتم سليمان السحري الذي سخر له الرياح والجن في خدمته
الديانة البابلية :
الديانة البابلية هي الممارسة الدينية للكلدان ، من الفترة البابلية القديمة في العصر البرونزي الوسيط إلى ظهور الإمبراطورية الآشورية الجديدة في العصر الحديدي المبكر.
كان لدى بابل العديد من الممارسات الدينية ، وكان لديها إيمان قوي بآلهتها وأنشطتها على الأرض. أعطى البابليون ديانتهم طابعًا رسميًا ووطنيًا ، مما جعلها أكثر شهرة أثناء تمازجهم كحضارة متقدمة.
لقد اعتقدوا أن هذه الآلهة ولدت عندما لم يكن العالم موجودًا بعد ، وفقًا للعديد من الأساطير ، بينما كان كل شيء مظلماً ، اصطدمت دوامات كبيرة من الماء بالطين مما تسبب في انتشارها في الفضاء.
عُرِف هذان الإلهان باسم أبسو، الذي عُرِف باسم روح الهاوية والفضاء اللامحدود ؛ وتيامات الذي هو روح المياه.
كانت هذه الأرواح مسؤولة عن بناء العالم وتشكيل ما يعرف الآن بالكون. حاول البابليون تمثيل هذه الآلهة لكنهم لم ينجحوا، إذ عرفوهم بالوحوش العظيمة دون أي شكل.
تأتي الكثير من الأساطير البابلية من المدينة التي سبقتها والتي كانت سومرية.
ترك البابليون كتبهم المقدسة على ألواح من الطين ، حيث سردوا قصصهم وأساطيرهم ، واستخدموا تأثير السومريين كثيرًا لبناء أسسهم على مستوى الدين والمجتمع والسياسة والاقتصاد واللغة. العديد من الآلهة البابلية مستوحاة من الآلهة السومرية واحتفظوا بصفاتهم وقوتهم.
في الديانة البابلية، كان استخدام الطقوس وعبادة تماثيل الآلهة المختلفة يعتبر مقدسًا ، لأن هذه الآلهة عاشت في نفس الوقت مع تماثيلهم في المعابد وأيضًا مع قوى الطبيعة التي جمعت هذه الآلهة.
أقاموا مراسم نادرة لهذه الآلهة تضمنت غسل أفواه التماثيل لتطهيرها من الشوائب والحفاظ على روحانيات الآلهة داخل تلك الشخصيات.
إقرأ أيضا : بلقيس ملكة سبأ وقصتها المثيرة مع النبي سليمان
عبادة الكواكب السبعة :
ويذكر أبو بكر الرازي المعروف بالجصّاص : ” أنَّ أهل بابل كانوا صائبين يعبدون الكواكب السبعة, ويسمونها آلهة ويعتقدون أن حوادث العالم كلها من أفعالها, وهم معطلة لا يعترفون بالصانع الواحد المبدع للكواكب وجميع أجرام العالم.
وهم الذين بعث الله تعالى إليهم إبراهيم خليله صلوات الله عليه , فدعاهم إلى الله تعالى , وحاجَّهم بالحجاج الذي بهرهم به , وأقام عليهم به الحجة من حيث لم يمكنهم دفعه , ثمَّ ألقوه في النار , فجعلها الله تعالى بردا وسلاما ثمَّ أمره الله تعالى بالهجرة إلى الشام ” .
ويذكر الجصَّاص أيضا : ” أن أهل بابل كانوا يعبدون أوثانا قد عملوها على أسماء الكواكب السبعة , وجعلوا لكل واحد منها هيكلا فيه صنمه , ويتقربون إليه بضروب من الفعال على حسب اعتقاداتهم من موافقة ذلك للكوكب الذي يطلبون منه بزعمهم فعل خير أو شرّ .
فمن أراد شيئا من الخير والصلاح بزعمه يتقرب إليه بما يوافق المشتري من الدخن والرقى والعقد والنفث عليها ومن طلب شيئا من الشر والحرب والموت والبوار لغيره تقرب بزعمه إلى زحل , بما يوافقه من ذلك , ومن أراد البرق والحرق والطاعون تقرب بزعمه إلى المريخ بما يوافقه من ذلك من ذبح بعض الحيـوانات.
وكان لكهنة الكلدانيين وسحرتهم اعتقادات كفرية شركية في تأثير الكواكب والنجوم على حياة البشر , وينسبون إليها أمورا كثيرة منها :
أن ظهور كوكب المشتري في الليالي القمرية يبشر النساء الحاملات بالمواليد الذكور , وظهور عطارد دليل على زيادة المعاملات التجارية وتحسين الأحوال الاقتصادية للبلاد وعلو كعب العلم والأدب والمشتغلين به وظهور زحل يدل على الخلافات العائلية وتفشي الإجرام بالطرق السرية.
أما ظهور المريخ فمعناه عزل الملوك أو وفاتهم وتفشي المجاعات والأمراض أو اندلاع الحروب , وظهور الزهرة يدل على رواج سوق الزواج خصوصا للعانسات.
وكان السحرة الكلدانيون يعولون في أعمالهم السحرية على حركات هذه الكواكب وأوقاتها وتقابلها وابتعادها وكل ما يتصل به , وذلك لاعتقادهم الراسخ بتأثيرها على حياة الآدميين.
إقرأ أيضا : حضارات ما قبل الطوفان والعهد الأول للبـشر قبل الطوفان