قصة أوتا بينغا : مأساة شاب عرض في حديقة للحيوانات وكأنه قرد
نظرة سريعة على محتويات المقال:
تعتبر قصة أوتا بينغا من بين أكثر القصص المؤلمة في التاريخ والتي بينت مدى قسوة بني البشر وطغيانهم وإفتقادهم للرحمة. بالإضافة لتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الأسود مع العبودية وتطهيرهم وإبادتهم للهنود الحمر، فهاهي اليوم تطل علينا بموضوع لا يقل عنفا.
لقد كان بطل قصتنا اليوم أو بالأحرى ضحية اليوم، أوتا بينغا شاباً مرحاً يعيش مع زوجته وطفليه في قرية صغيرة محاطة بالغابات الاستوائية على ضفاف نهر كاساي في الكونغو التي كانت مستعمرة بلجيكية في ذلك الوقت (عام 1904).
على الرغم من صعوبة حياة الأدغال البدائية، إلا أن أوتا بينغا كان شاباً (21 عاماً) مفعماً بالحيوية والإقبال على الحياة، ممارساً لدوره كزوج وأب، قبل أن تتبدل حياته رأسا على عقب.
تم اختطاف أوتا بنجا في ما يعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1904 ليتم نقله إلى الولايات المتحدة وعرضه في حديقة حيوانات في قفص القردة.
بعد أكثر من قرن من احتلال حديقة حيوان برونكس في نيويورك بالولايات المتحدة عناوين الصحف الدولية لعرضها شابا أفريقيًا في حظيرة القردة، أعربت المؤسسة أخيرًا عن أسفها, لكن الإعتذار جاء متأخرا جدا.
كان أوتا بنجا (1883-1916) شابًا كونغوليًا ينتمي إلى مجموعة الباتوا الأقزام العرقية، وهي في الأصل من وسط إفريقيا، ولكن جاء إلى الولايات المتحدة في عام 1904 بعد أن اشتراه المفوض والتر إس فيليبس فيرنر، منغمسًا في البحث عن “عينات” مناسبة لـ “المعرض العالمي لسانت لويس”.
يمكنك أيضا قراءة: الرجل الفيل جوزيف ميريك: الرجل الذي عاش بائسا ومات مختنقا بسبب شكله
قصة أوتا بينغا
حياة أوتا بينغا قبل الأسر
بطل قصتنا اليوم أوتا بنجا تعود أصوله لدولة جمهورية الكونغو الديمقراطية. قبل ذلك كان إسمها زائير. لكن بين عامي 1885 و 1908 عُرفت باسم دولة الكونغو الحرة، وهي منطقة استعمارية كانت ملكية خاصة لملك بلجيكا ليوبولد الثاني.
تقع في وسط إفريقيا، وهي المناظر الطبيعية التي تهيمن عليها الغابات المطيرة الكثيفة والنهر الذي بالكاد يمكن ملاحظته، مما جعل من الصعب استكشاف المنطقة حتى تولى الملك مقاليد الأمور.
وقد كان مهتمًا بشكل أساسي بالمطاط والعاج المنتشر في المنطقة. من أجل هاته الثروات، استعبدوا عمالة السكان الأصليين وأجبروهم على عيش كابوس حقيقي من الضرب والعنف والموت.
ولد أوتا بنجا هناك. حيث رأته أعينه الضوء عام 1883 في غابة إيتوري، في أقصى الشمال الغربي من المستعمرة، في قرية مبوتي المليئة بالأقزام قصار القامة.
وهناك نشأ بينجا، مع عائلته، في قبائل قليلة الناس من البدو، ويتنقلون من مكان إلى آخر حسب الفصول، بهدف الصيد وفرص البقاء.
لقد صنع أوتا بنغا الحياة التي يتمناها الجميع. تزوج شابًا، ولديه طفلان، وكان يستعد ليكون رئيسًا لقبيلته.
إذا أعجبك المقال، يمكنك أيضا قراءة : قصة ميشيل لوتيتو : الرجل الذي أكل طائرة في سنتين
حياته بعد الأسر
في واحدة من الأحداث الوحشية التي نفذها الجيش البلجيكي في خدمة الملك ليوبولد الثاني، حينها تم القبض على أوتا بنغا، وهو قزم شاب من جماعة باتوا العرقية، من قبل مجموعة من تجار الرقيق في “دولة الكونغو الحرة” حيث تم تدمير وإبادة قبيلته ولقي أولاده وزوجته حتفهم في المذبحة.
قامت مجموعة من تجار الرقيق باختطاف أوتا بنجا واقتلاعه من الغابة. في تلك اللحظة تغير عالمه كله، واختفى كل ما كان يعرفه حتى تلك اللحظة أمام عينيه، وهكذا بدأت قصة أوتا بينغا المؤلمة مع المعاناة والأسر والتعذيب.
شاهد أوتا بينغا زوجته وفلذتا كبده صرعى أمام عينيه وهو ليس بيده حولاً ولا قوة، واقتيد ومَن معه أسرى نحو حياةٍ من العبودية البائسة.
كان حظ أوتا بينغا الأسوأ بين أقرانه، ذلك لانه في تلك الأيام كان قد وصل إلى أفريقيا المبشر والتاجر الأمريكي Samuel Phillips Verner قادماً بمهمة قبيحة مبالغ في انسلاخها عن كل ما هو آدمي، وهي أن يأتي بأقزام أفارقة يشبهون القرود، يتم عرضهم على الناس كإثبات على صحة نظرية داروين.
في عام 1904، اشترى رجل الأعمال والمستكشف الأمريكي صموئيل فيرنر (وهو من العنصريين البيض من عائلة بارزة في ساوث كارولينا) أوتا بينغا بسعر رخيص، حيث دفع فيه رطلا من الملح وقطعة من القماش.
أُجبر أوتا بينغا على مغادرة وطنه نحو المجهول رغماً عنه، وبضرب السياط، حتى وصل إلى مدينة سانت لويس الأمريكية.
بعد نقل أوتا بينجا إلى الولايات المتحدة، ظهر هناك على خشبة المسرح مع أشخاص آخرين من جميع الأعراق في العالم في المعرض العالمي في سانت لويس.
كانت السلطات تنظم معرض سانت لويس العالمي في العام التالي وتحتاج إلى الإمدادات من العبيد.
كان الهدف من الحدث الضخم هو تمجيد الإمبريالية الأمريكية وإظهار خريطة تقدم للجمهور “من الظلام إلى أعلى مستويات التنوير ، ومن الوحشية إلى التنظيم المدني، ومن الأنانية إلى الإيثار”.
ترأس وليام ماكجي، رئيس الجمعية الأنثروبولوجية الأمريكية، قسم الإثنولوجيا في المعرض. ووفقًا لمعتقدات ذلك الوقت كان يبحث عن الأقزام، الذين يُعتقد أنهم يمثلون أدنى درجات التطور البشري.
حديقة الحيوان البشرية
عند بدايات القرن العشرين، كان الكوكب يشهد طفرة في التقدم والحداثة، ولكن أيضاً غطرسة وطغيانا من الإمبراطوريات الاستعمارية.
كانت تلك السنوات التي فرض فيها العالم الغربي نفسه على أنهم “العرق الأقوى” حيث قاموا بإنشاء ما يسمى: حدائق الحيوان البشرية.
قصة أوتا بنغا هي قصة رجل اقتلع من جذوره وانتقل إلى “الحضارة” كما لو كان وحشًا بريا، تم حبسه في حديقة الحيوان البشرية وعومل بقسوة ووحشية يندى لها الجبين.
في الداخل، في قفص القردة في حديقة حيوان برونكس، كان هنالك شابً صغير القامة بالكاد تجاوز خمسة أقدام ووزن 40 كيلوغرامًا. كان هناك جالسًا، مكشوفًا للنظرة الخبيثة البذيئة لمئات وأحيانًا الآلاف من سكان نيويورك الذين ضحكوا بوقاحة على مظهره.
يمكننا القول، أن أوتا بنجا حصل على وظيفة من خلال حديقة حيوان برونكس (في نيويورك) كحيوان في قفص، بجوار قفص الأسود تمامًا وفي نفس القفص مثل إنسان الغاب.
كان أوتا بنجا هناك، يعيش مع إنسان الغاب دونغ، الذي أصبح معه صديقًا عظيمًا ؛ لقد دربه عمليًا وأجرى عرضًا مسرحيًا معه.
في اليوم الأول من معرضه، 8 سبتمبر 1906، تمت إضافة النص التالي :
“القزم الأفريقي” أوتا بنجا 23 سنة، الارتفاع: 4 أقدام و 11 بوصة الوزن: 103 رطل، تم جلبه من ضفة نهر كاساي، ولاية الكونغو الحرة، جنوب وسط أفريقيا للدكتور صامويل فيليبس فيرنر، ويتم عرضه كل مساء خلال شهر سبتمبر”.
قد يهمك: قصة هيساشي أوشي : الرجل الذي تعرض لأكبر شحنة إشعاعية في التاريخ
حياة أوتا بينغا كمواطن أمريكي
أثارت قصة أوتا بينغا العديد من ردود الفعل، خاصة بعد حبسه في قفص القرود وعرضه على الناس والعامة لأكثر من 3 أسابيع، بالإضافة إلى الظروف المزرية التي كان يعاني منها.
كانت ردود الفعل على هذه الأحداث فورية، وكذلك احتجاجات الكنيسة المعمدانية الأفرو أمريكية. اضطر مدير حديقة الحيوان ويليام هورناداي إلى إخراج أوتا بنجا من القفص.
في أواخر سبتمبر 1906، تم احتجاز أوتا لدى رجل دين طالب بالإفراج عنه، جيمس هـ. جوردون، الذي وضعه في ملجأ هوارد الملون للأيتام والملجأ (الذي كان جوردون مشرفًا عليه).
في يناير 1910، وافق جوردون على نقل أوتا بنجا إلى لينشبورج، فيرجينيا. بمجرد إستقراره هناك، بدأت حياته تتغير بشكل جذري: تم إصلاح أسنانه، حيث كان لها الشكل المدبب المميز للأقزام.
بعد أربع سنوات في عام 1910، ذهبت أوتا للعيش في معهد لينشبورغ اللاهوتي وكلية الطلاب السود في فرجينيا، حيث علمتها الشاعرة آن بيثيل سبنسر القراءة والكتابة.
بدأ في ارتداء الملابس على الطريقة الأمريكية، ووضع تحت وصاية الشاعرة آن سبنسر، وبدأ في حضور الدروس.
لكنه سرعان ما تخلى عن تعليمه الرسمي وبدأ العمل في مصنع محلي للتبغ، واندمج تدريجياً في المجتمع الأسود المحلي. حتى أنه غير اسمه إلى أوتو بينغو Oto Bingo، واكتسب الجنسية الأمريكية.
كما وصفه الأشخاص الذين عرفوه في ذلك الوقت، اعتاد أوتا أن يضرب على صدره ويقول : “أنا رجل.. أنا رجل”.
طالع أيضا: قصة الكاهن سطيح وشق : أشهر الكهنة في شبه الجزيرة العربية
انتحار أوتا بينجا : الطريق نحو الخلاص
في عام 1914، عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، أصبحت العودة إلى الكونغو مستحيلة، واكتئب بينغا لأن آماله بالعودة إلى الوطن خابت.
وفي 20 آذار 1916 بعمر 32 سنة، أوقد ناراً احتفالية، ونزع الغطاء الذي وضع بأسنانه وأطلق النار على نفسه بالقلب بمسدس مسروق. ودفن في قبر غير معروف في مقبرة المدينة، قرب محسنه، غريغوري هيز.
ترجح العديد من المصادر التاريخية، أن أوتا لم يستطع التغلب على حزنه بعد فقدان عائلته وحنينه للعودة إلى وطنه، مما دفعه إلى الإنتحار بإطلاق النار على نفسه. كان يبلغ من العمر 25 عامًا تقريبًا عندما توفي، ليكتب نهاية حزينة ل “قصة أوتا بينغا“.
إقرأ أيضاً: قصة التوأم الصامت الذي حير أشهر علماء النفس
صداقة بين الآسر والأسير
تم تجميع كل هذه الروايات المضللة في كتاب نُشر عام 1992، شارك في تأليفه حفيد صموئيل فيرنر، الرجل الذي ذهب إلى الكونغو مدججًا بالسلاح للاستيلاء على أوتا بينجا وآخرين لعرضها في معرض 1904 العالمي في سانت لويس.
تم وصف الكتاب بشكل سخيف بأنه كانت هنالك قصة صداقة بين فيرنر وأوتا بنجا، لتضليل الرأي العام والعآلمي حول الجرائم التي قام بيها الرجال البيض، خصوصا في قصة أوتا بينغا.
في حساب واحد على الأقل في إحدى الصحف منذ نشر الكتاب، قال الشاب فيرنر أيضًا إن أوتا بينجا الذي قاوم بشدة القبض عليه استمتع بالأداء لسكان نيويورك.
بعبارة أخرى، ولأكثر من قرن، قامت نفس المؤسسة والرجال الذين استغلوا بلا رحمة أوتا بينغا وأحفاده بتلويث السجلات التاريخية بروايات كاذبة تم تداولها في جميع أنحاء العالم.
حتى الآن، اعتذر سامبر عن عرض أوتا بينجا “لعدة أيام” بدلاً من الأسابيع الثلاثة التي احتجز فيها في قفص القرود.
نشرت حديقة الحيوان الآن وثائق رقمية عبر الإنترنت من الحلقة، بما في ذلك رسائل توضح بالتفصيل أنشطة Ota Benga اليومية والرجال الذين احتجزوه.
تم اقتباس العديد من هذه الرسائل في كتاب “Show: The Amazing Life of Ota Benga” الذي نُشر في عام 2015.
في السنوات الخمس التي تلت نشره، رفض مسؤولو حديقة الحيوان لسبب غير مفهوم التعبير عن الأسف أو حتى الإجابة على أسئلة وسائل الإعلام.
قد يهمك: قصة ديفيد فيتر : الطفل الذي عاش كل حياته داخل فقاعة بلاستيكية بسبب مرض نادر